الكاتبة ـ سميرة عبدالهادي
جمعتني به الأيام صدفةً دون قرارٍ أو ترتيبٍ مني
عرفت حينها معنى أن يكون للإنسان مكانٌ يألفه
تختاره روحه ويأنس له قلبه
أن يكون جلّ همه أن يعطيه حلوَ الكلمات وجميلَ الأفعال
أن يفهمه دون حديثٍ أو ترجمان
يقف بجانبه دون أن يطلب أو يتوسل
يذيب حزنه بابتسامةٍ شفافة
ينتشله من قوقعته ليرى النور
يُضيء عزلته بمصباح الأمل،
أن يكون وطنه وأمانه ومأمنه
اقترب مني شيئاً فشيئاً
فافترش القلبَ
ونام بمقلة العين
هام الخيال وتغنى بأدق تفاصيله
وجرى هواه بداخل الوريد
نعم، أحببته دون أن أعلم
حبا لا تشرحه الكلمات ولا تسعه الحروف
حبا يجعلني أتعافى من وجع الأيام
وخذلان السنين
تلمست الدفء بلمسة يده
تعطرت أنفاسي برائحة عطره
توشحت بخوفه ولهفته عليّ
حديثه يحاكي العقل والوجدان
حتى أصبحت لا أفرق هل هو ملك أو إنسان
مرت الأيام والشهور بدون أي شعور
ولكن كما يُقال (عرف الحبيب مكانه)تظنون أن أكمل فالتدليل
لا بل تحسر وتجبر، وأسرف وطغى بعد أن سلب لب الفؤاد وسرق العقل،
وأنهك الروح وأثقل العاتق وأوهن الجسد
برغم تقبل أخطائه ومتقلباته المزاجية
هفوته، إهماله، وكثرة شكواه
رحل ؛
نعم رحل بلمح البصر
دون تلميح أو إشعار
ولكن لم يعلمني كيف لا أقتات على كلماته وهمساته وضحكته
أن لا أرتشف من نبع حنانه وأن أدفن شوقي ولهفتي تحت أطنان من الرمال
وأسير دون أن أمسك بكفه حتى لا أضل الطريق
كيف أمسح اسمه الذي نُقش على صخرة بأناملي؟
كسر بقايا مشاعر لا زالت تتمدد جذورها
وهدم ثقتي التي منحتها له بلا حدود
سكب دمعًا تقرحت منه العيون
وسرق فرحًا تعطش له القلب
وغرس أشواك النكران بجدران قلبي بدون رحمه
رحل ونسي أن يعلمني كيف أعود أنا كما كنت أنا
تركني وحيدة هنا وحدي
حيث اللاشيء، وأصبحت أتعثر بين ذكرى وأخرى
وأنثر ما تبقى مني على أسطر وناي يعزف لحنًا حزينًا.