سميرة عبدالهادي
فراشة هي لا تعرف عنها سوى جمال ألوانها التي تُبهر أعين البشر وتُؤمن بمدى روعتها، فهي صافية كالنهر الجاري الذي يروي الظمآن، رشيقة كالغيْم، هي عطر الصباح ولحظة الفرح، لا تملك من هذه الدنيا سوى أجنحة مخملية ناعمة تحلق بها علياً، تارة تلهو مع نور الشمس وأحياناً تلامس ضوء القمر، ولربما تداعب قطرات الندى، أو تُشم رحيق الأزهار وتغفو على وردة أو ورقة يانعة، جعلت العالم من حولها مسرحاً لتتراقص على نغماته ولكن لم تكن تعلم أن هناك إعصارًا يترقبها ليفتك بها، وبرغم من قوته وجبروته لم يرأف بضعفها ولا قلة حيلتها بمواجهته، فعصف بأحد أجنحتها ، وسكب الألم بعروقها ، وبعث الخوف بقلبها ، وانتزع الأمان من حولها ، فما كان منها إلا أن جعلت من تلك الأوراق ملجأ لتختفي وتواري دموعها وانكسارها وحيدة، أخذت تتخبط محاولة العثور على بذرة أمل تعيد النبض لجناحيها الذي هو مصدر قوتها، فإذا بها تتكئ على غصن لتعزف لحنًا حزينًا منفردًا يلامس فؤادها وحدها، سالت دموعها ونحب صوتها، صرخت بأعلى صوتها: "كيف لي أن أعيد الحياة له؟ كيف لي أن أحلق بعالمي الذي صنعته لنفسي من جديد؟ لما أنا؟" فإذا بذلك الغصن يهمس لها: "هوني على نفسكِ، فالضعف لا يليق بكِ، هيهات أن يحرق الدمع مقلتيكِ، من ذا الذي بحياة لا ينكسر؟ ولكن القوي من يقف من جديد، لم أعهد عليكِ الضعف فلا زلتِ تملكين من الثبات والإصرار الكثير."والقوي الذي يقف من جديد، لا زلتِ تملكين من الثبات والإصرار الكثير. رفقًا بقلبك فلا يليق بك أن تحزني. أوصيكِ بألا تكوني للصمت أسيرة، وللخذلان فريسة، وتقفي أمام فاقد العقل في حيرة. تمسكي بحقك بالبقاء، فهو لا يكون إلا للأقوياء، وأنتِ وحدكِ تعلمين متى وكيف تقفين.وأنا سأبقى بقربك في ساعات يأسك، سأداويك إلى أن تشفين، ولن أبتعد عنك، رويدًا رويدًا دبت بجناحيها الحياة، وعادت الألوان تزهر بها وتتلألأ من جديد، وانطلقت لتحلق بعالمها، ولكن بمفهوم آخر وقواعد مختلفة، وهي واثقة مبتسمة تحلم بغدٍ جميل .