السبت, 01 يونيو 2024 01:03 صباحًا 0 266 0
أول الرسائل البيضاء
أول الرسائل البيضاء

أول الرسائل البيضاء
الكاتبة : سلافة سمباوه

 
أذكر جيداً أي عام ظهرت ولماذا ظهرت ؟ في زمنٍ  كنت أسعى لتوثيق علاقاتي وتدعيم أواصر المحبة بمن حولي وبشكلٍ واسعٍ، بجهدٍ كبير، وغالباً كان على حسابي وحساب راحتي،خصوصاً في حال أنك لم تراها تُثمر ولا تُزهر ولو لمرة واحدة!
لفترة طويلة حاولت أن أكون تلك  المرضي عنها من قِبل الجميع، جاهدت أن أحقق لكل شخص أمله المنتظر مني، تفانيت في ألا أخيب رجاء أحدهم، صارعت مراراً لأظل الجيدة في نظرهم وفي المقابل تنازلت عن الكثير.
لم أستوعب يوماً أنني مُهددة من قِبَل الوقت، لقد بلغت يومها أعتاب الثالثة والثلاثين  ولا زلت أتعامل كمن سيحيا مئة عام، لا أبالي بفكرة الوقت، في الحقيقة لم أنتبه أنه يجب عليّ الوصول في موعد ما تحديداً، ليس من المنطقي أن نحول الحياة إلى قطارات علينا اللحاق بها، هناك من لا يحب  القطارات، ومن لا يحب الزحام  ومن لا يلتزم بمواعيدها ومحطاتها، أو لعلك ستعيش أكثر من راكبيه!
أول شعرة بيضاء تُخبرني أن هناك بعض الأمور التي لا بد أن تتعايش معها، لأنك في كل مرة تقاتلها سوف تهزمك، بل تقتلك! كل مرة تشعر بذات الخيبة الساحقة، التي صفعتك مع أول هزيمة تباغتك في كل مرة كأنها المرة الأولى، كل مرة تشعر بذلك المذاق الكريه، مذاق دم أملك الذي أريق، في الحصول على نتيجة مختلفة عن المرات السابقة، كل مرة تختنق وأنت تحاول أن تشرح المشروح فتعيد وتزيد حتى تختنق بكلماتك وما يقابلها من ردود أفعال ككل مرة.
أول شعرة بيضاء تخبرني أنه حينما تكون الضحية يكون التسامح مع الجاني نوع من الخضوع، لا أعتقد أن كسر الأرواح أمر هين، يمكن الصفح عنه، لا أعتقد أن البكاء ينتهي بتجفيف الدموع ولا أعتقد أن الذكري مجرد لحظة ماضية، هناك من تنتهي حياته بشيء فعلته أو قيل لك، الروح التي أُزهقت لا تعود!
الغريب في الأمر أنه يصعب علي تذكر شعوري حينها، لكني أدرك جيداً أنه كان شعوراً مُؤلماً، اللحظات الأخيرة مع أي شخص غالباً ما تكون صادمة، كأنك لم تكن تعرف الذي أمامك أبداً، شخص مختلف تماماً عن الذي كنت تظن أنك تعرفه، شيء ما ينزع كل الحب منك، ما أصعب أن يشعر المرء أنه قد خُدع!
أول شعرة بيضاء تخبرني أن كل المبادئ التي تفانيت في تشييد قلاع وحصون حولها، بت الآن أتلذذ بهدم بعضها ، كل الأشخاص الذين تعلقت بهم وظننتهم مُثل باتت ذكراهم تترنح كل الأمنيات التي لطالما تمنيتها باتت لا طعم لها، كل مسببات السعادة التي حفرت نفسها بجدران قلبي باتت رفاتًا هي وقلبي وجدرانه!
أول شعرة بيضاء تخبرني أنني على الطريق الخطأ، رغم أنني أعرف هذا جيداً ، أدرك مدى خطورة استمراري في اللامبالاة، ومتأكدة أن لا أحد غيري سيتحمل توابعه، أحلامنا لم تكن وهماً لكنها هُمشت، رغم أننا لم نتشبث يومًا بتلابيب الماضي الذي ترهبنا ملامحه، حتى المستقبل بتفاصيله المبهمة لم يكن ليستهوي فضولنا، ونقف في ذاك المنتصف المميت بين الماضي والمستقبل، لا أستطيع الجزم بأني أقوم بأي شيء مُتعبة للغاية من أشياء كثيرة، ربما لا وجود لها سوى في خيالي.
أول شعرة بيضاء تخبرني كم مرة هزمتني الصدمة، الخيانة والخذلان بدون الدخول في أي قتال، كم مرة ناجيت ضعفي وحزني الغائر وصمتي الرتيب، ناجيت الألم واليأس، عاتبت وحدتي أحيانًا لاختلاسها أثمن لحظات أُنسى وشكرتها كثيرًا لحمايتها لي ، لم نخسر علاقاتنا عادة بمشاكل كبيرة حاسمة، بل خسرناها بتراكم الخيبات!
أول شعرة بيضاء تخبرني كيف أقول “وداعًا” للأشخاص الذين اخترقوا روحي ووصلوا إلي لب قلبي، وتلك الأمور التي أحبها وأفنيت عليها من عمري وجهدي الكثير، تخبرني كيف أودع أحلامي وأتنازل عن طموحاتي التي أشعر بالخزي الكبير تجاه التخلي عنها لأتحمل بدل عنها مسؤولية أن أصبح النسخة الجديدة منهم، مسؤوليات لم تكن يوماً بحُسباني!
تخبرني كيف أودع كل هذا بدون طرق مأساوية، بلا بكاء ملموس لكنه محسوس في القلب، يمتد العمر كله!
مع مرور الوقت وبصحبة أول شعرة بيضاء يتسلل الأمل من داخلي لأتخلص من مخاوفي، واطمئن وأصبح أعلى ما أطمح إليه الآن
مع تزايد كل شعرة بيضاء بت أدرك جمال كل مرحلة من عمري ، يطالبني إبني بصبغ شعري وأرفض قطعياً لأني أحب أن أرى كيف لقصص الزمن تحفر اخاديدها في ملامحي وجسدي وحتى عقلي ، كيف باتت الاشياء عندي أعمق من القشور وكيف المعنى الحقيقي لأن تنظر لنفسك في المرآة وتحب ذاتك بلا مبضع جراح يقاوم الزمن وكيف أن الروح وحدها هي التي تحدد وجودك ومعناك وقيمتك وجوهرك وكيف تسمح لكل الاشياء بالرحيل وتتقبل وتكتفي وكيف لهذا الشيب الذي يشتعل في الرأس يرسل لك رسائله المبطنة لروحك إلى متى ؟! ثم إلى أين ؟!

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر الخبر

سلمى البكري
محرر وناشر
مدير تحرير القسم الأدبي بالصحيفة

شارك وارسل تعليق

بلوك المقالات

الصور

.

.

أخر ردود الزوار

الكاريكاتير

استمع الافضل

آراء الكتاب

admin الدعم الفني
صحفي في قسم مناسبات, رئيس فريق الدعم الفني شبكة نادي الصحافة السعودي
شبكة نادي الصحافة السعودية موجودة في "مبادرة تمكين جودة الحياة
2023-09-07   

آراء الكتاب 2

admin الدعم الفني
صحفي في قسم مناسبات, رئيس فريق الدعم الفني شبكة نادي الصحافة السعودي
شبكة نادي الصحافة السعودية موجودة في "مبادرة تمكين جودة الحياة
2023-09-07   
جمعه الخياط جمعه الخياط
صحفي في قسم صحة, رئيس مجلس ادارة صحيفة صوت مكة الالكترونية
الصحة في مكة تتفقد بعض المنشآت الصحية لمنظمات صحية غير ربحية
2024-07-16   
ابراهيم حكمي ابراهيم حكمي
صحفي في قسم مقالات, مدير الدعم الفني والنشر
"الرمال الساخنة: ثورة في إنتاج الكهرباء"
2024-07-19   
ايمان محمد ايمان محمد
صحفي في قسم اخبار محلية, اعلامية ومراسلة صحفية في مجموعة شبكة نادي الصحافة السعودي
أمانة العاصمة المقدسة تُضفي لمسة من الحفاوة على استقبال حجاج بيت الله الحرام بالورود والهدايا
2024-06-13   
فايزه عسيري فايزه عسيري
صحفي في قسم اخبار محلية, كاتبة وناشرة ببوابة صوت مكة التثقيفية
أمانة مكة تنظم ورشة حماية النزاهة وتعزيز الشفافية
2022-08-24   
بدر فقيه بدر فقيه
صحفي في قسم اخبار محلية, || محرر وناشر في شبكة نادي الصحافة السعودي. بكالوريوس نظم المعلومات من كلية الحاسب الألي بجامعة الملك خالد بأبها
عندما يتعرض مصاب بالسكري لنوبة انخفاض السكري وهو واعي
2018-11-20   
عامر الخياط أكاديمية الصحافة الالكترونية والاعلام الجديد
صحفي في قسم مناسبات, مساعد رئيس مجلس إدارة الاكاديمية
تكريم
2024-07-10   
عيشه حكمي عيشه حكمي
صحفي في قسم اخبار محلية, محررة وناشرة بالصحيفة
رحلة اكتشافه للبيوت التراثيه لقريه عتود
2019-01-04   
حنين مسلماني حنين مسلماني
صحفي في قسم ثقافة وفنون, محرر وناشر
متصل الان (أحاديث قهوة )
2019-01-18   
شمعه خبراني شمعه خبراني
صحفي في قسم اخبار محلية, محرر وناشر بصحيفة صوت مكة الاجتماعية
وزارة العدل تتيح الاستعلام الإلكتروني عن الإقرارات
2019-12-15   
ساميه بكر سامية بكّر
صحفي في قسم مقالات, مدير تحرير القسم النسائي بمكة
مسيرة عطاء
2020-11-20   
سلمى البكري سلمى البكري
صحفي في قسم مقالات, مدير تحرير القسم الأدبي بالصحيفة
خوف
منذ 3 يوم و 2 ساعة