اطلالة على مقدمة ابن خلدون.
بقلم : إبراهيم أحمد الجنيدل .
في تونس سنة ٧٣٢ هـ - ولد عبد الرحمن أبو زيد ولي الدين بن خَلدون . ( بفتح الخاء ) .
في سنة ٨٠٨ هـ - توفي في القاهرة عن ستة وسبعين عامًا، مليئة بالأحداث تنقل وتقلّد الوظائف في المغرب والمشرق والأندلس في الكتابة والوزارة والقضاء والتدريس والتأليف؛ فدرس في الأزهر وتولى منصب قاضي القضاة المالكية في مصر وهو من أرفع المناصب واستشاره الملوك ودخل القصور والسجون وكتب كتابه
المكون من سبعة مجلدات ويحمل عنوانًا طويلاً :
( كتاب العبر، وديوان المبتدأ والخبر، في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر ) .
المجلد الأول يعرف باسم : ( مقدمة ابن خَلدون )
الذي استغرق في تدوينه خمسة أشهر ( المجلد الأول ) تفرغ للكتابة برهة من الزمن وكان هذا المجلد نواة علم الاجتماع وأصبح منشأ هذا العلم. ذاع صيت الكتاب في حياته وارتفع شأنه في البلدان .
فحوى مقدمة ابن خلدون دراسة القوانين الجبرية للظواهر الاجتماعية ( فالإنسان الفرد مُسيّر ومُخيّر ) فكذلك المجتمعات اهتم بالجزء الجبري المجتمعي وتجلية القوانين والأغراض الخاضعة المطردة لها وهذه الزاوية لم يفطن أحد أو لم يهتم أحد قبل ابن خلدون بالكشف عن هذه القوانين .
الأسباب التي دعت ابن خلدون إلى إنشاء هذا العلم الجديد حرصه على تخليص التاريخ من الأخبار الكاذبة وإنشاء أداة تعصم المؤرخين من قبول أخبار تحكم قوانين الاجتماع الإنساني بتعذر وقوعها.
والأخطاء في كتابة التاريخ وأخباره تنحصر في ثلاث طوائف كما يزعم :
١- ميول المؤلف وأهوائه ولاعذر للمؤرخين في الأخطاء الناجمة عن هذا .
٢- الجهل بالقوانين التي تخضع لها الظواهر الطبيعية .
٣- الجهل بالقوانين التي تخضع لها ظواهر الاجتماع الإنساني، ولم تكن معروفة فشمرّ عن ساعديه وكتب في هذا الشأن واجتهد ولكل مجتهد نصيب من الصواب والخطأ .
منهجه يكتب القانون والنتيجة كعنوان عريض في الأعلى ثم يسوق الأسباب في الأسفل، استوقفني من المقدمة عناوين عريضة وهي باختصار :
١- نقده للوسائل التعليم في عصره أن الأساتذة يلقون على المبتدئين المسائل المغلقة في بداية الطلب فينفرهم ويستصعبون طلب العلم والأولى التدرج بالعلم وعدم التنقل إلا بعد التمكن من العلم .
وهذه عبارته: ( اعلم أن تلقين العلوم للمتعلمين إنما يكون مفيدًا على التدريج شيئًا فشيئًا ) .
٢- شدّ انتباهي فصلاً بعنوان :
( الأمة إذا غُلبت وصارت في ملك غيرها أسرع إليها الفناء ) والسبب تكاسل النفوس وانقباض الأمل .
٣- فصل ( الظلم مؤذن بخراب العمران ) .
٤- فصل ( الحضارة غاية العمران ونهاية لعمره وأنها مؤذنة بفساده ) الحضارة لها عمر محسوس كما أن للشخص الواحد عمرًا محسوسًا وغاية عمر الإنسان من القوة والنمو عند الأربعين من عمره، ثم تأخذ بالانحطاط والحضارة أيضا كذلك .
يرى العمر الطبيعي لأي دولة مئة وعشرين سنة
( ١٢٠ سنة ) يتضمن ثلاثة أجيال كل جيل أربعين سنة
( ٤٠ سنة ) .
٥- فصل ( المغلوب مولع أبدًا في تقليد الغالب في شعاره وزيِّه ونحلته وسائر أحواله ) والسبب أن النفس تعتقد الكمال فيمن غلبها .
٦- فصل ( أهل البدو أقرب إلى الخير من أهل الحضر ) والسبب اقتصار أهل البدو على الضروري وبعدهم عن دواعي الترف وأسباب الشهوات فتنطبع نفوسهم في معظم اتجاهاتها على الخير .
٧- فصل ( أن العرب لايتغلبون إلا على البسائط ) .
تنويه : يستخدم ابن خلدون كلمة «العرب» بمعنى الأعراب أو سكان البادية الذين يعيشون خارج المدن ويشتغلون بمهنة الرعي، وخاصة رعي الإبل، ويتخذون الخيام مساكن لهم، ويرحلون من مكان إلى آخر حسب مقتضيات حياتهم وحاجات أنعامهم وهم المقابلون لأهل الحضر وسكان الأمصار .
سبع محطات استوقفتني من مقدمة ابن خلدون الزاخرة بالأفكار والمتشعّبة بالفصول والأبواب، خلاصتها نصيحة للمهتمين بعالم القراءة والأفكار التزود من المقدمة والاطلاع عليها خاصة طبعة:
دار نهضة مصر للنشر - بتحقيق : علي عبد الواحد وافي - وهي ( ثلاثة مجلدات ) .
٢ يناير - ٢٠٢٤ م .