كبرتْ وهي تعيش في عزلة، كوّنتْ عالما خاصا بها، الآخرون يتهامسون، يلعبون، يضحكون، ترتفع أصواتهم وهي تعبث بأشيائها في صمت، يرونها تضحك، تبكي أحيانا، تتحرك في خفة، تتنقل بين الزوايا دون أن يشعرها أحد بالاهتمام، أصبحت حلوة وجميلة ولكنها لاتسمع، لفتت إليها الأنظار، قوامها الرشيق، أنوثتها، جاءها خاطب دون غيرها، قيل للعريس الذي جاء يطلبها ماذا تريد بفتاة لاتسمع؟ أصرّ على موقفه، جاءها خاطبا، نادوا عليها باستهتار :جاءك عريس، لم تفهم قولهم، قالت إحداهن لو تطلقون مدافع عند أذنها ماسمعتكم، اقتربوا منها وأخبروها بقدوم عريس لها، فرحت، ابتسمت، نهضت، تأملت نفسها وجمالها، وضعت يدها على أذنها وهي تتحسر، ارتسمت على محياها ملامح الحزن، وافقت على هذا الحلم، استعدت للمستقبل، تزينت، بدت فاتنة، دبّت الغيرة في اللاتي يحطن بها، الهمْسُ يتحدث عن حظ هذه الضعيفة التي لاتسمع، قبل إتمام مراسم السهرة الكبرى والليلة التاريخية اقترب منها ليعلن لها مشاعره نحوها، حدثته أحاسيسه أن هذه الفاتنة الجميلة التي يتدلى من أذنيها قرطان رائعان لايمكن أن تكون صماء، نظرت إليه بإعجاب، قالت له بلغة الإشارة إنها أدخلتْ في أذنيها وهي صغيرة قطعتي قطن ونسيتها، تنهد تنهيدة عجيبة، ابتسم، قال لها بلغتها : غدا ستسمعين، لم ينتظر الصباح حتى يطلع، أخذها من يدها أمام أهلها وخرج بها دون إذنهم وهم يتعجبون من هذا المنظر، في غرفة بيضاء أنيقة أدخلوا في أذنيها مشرطا ناعما لينزعوا القطعتين اللتين أغلقتا قناة السمع، أخرجوا من أذنيها قطعتي قطن صفراء من القِدَم، سمعتْ الأصوات لأول مرة، قدّم لها التهنئة، ردّتْ ببراءة على السمع أم على.... ولم تكمل، غادرا العيادة، سمعت الأخبار في الحي عن عرس الصماء، في السهرة البيضاء كانت في مقدمة المحتفلين، تبادلوا النظرات من الدهشة، أخرجتِ للساهرين معها قطعتي قطن وهي تشير إلى أذنيها، قالت لهم : السهرة ستكون حتى الشروق، في الصباح دفنت آثار الصمم واستعدت للحياة الجديدة.
الكاتب / محمد الرياني