نامَ أولَّ الليل، ألقى بنفسه على السرير مثل سبّاح يعشق المياه الدافئة، أحلام جميلة رآها في ساعتين أو ثلاث، فزعَ من النوم متثاقلا، أراد أن يمشي فلم تسعفه ساقاه، انتقل من مكان إلى مكان كي تعود الأحلام أو تُستأنف، في الغرفة الأخرى كل شيء فيها في غاية البياض، الكراسي، سرير النوم، الأغطية التي تغطي كل ذلك، والدولاب الذي ملأ أحد الجدران، التفتَ عن يساره نحو خزّانٍ صغير لحفظ الماء والعصير وقطع الشكولاته، على سطحه ظهرتْ ورقة بيضاء قديمة وقد طُويتْ أرباعا، تناولها والليل يكاد ينتصف، أعاد الورقة إلى وضعها الطبيعي ليقرأها، وجد بها ذكريات جميلة وحزينة، وصفًا لعينيه العسليتين، تنهد تنهيدة عميقة، ظل يسأل نفسه :هل عيناي عسليتان؟ اقترب من المرآة القريبة، أزال نظارة سميكة من على عينيه، بدتْ له عينان ذابلتان بلون العسل، تذكر أنه كان في السابعة عشرة أوالثامنة عشرة عندما نظر موظف الأحوال الشخصية في عينيه وكتب بقلمِ حبرٍ أنّ لونَ العينين عسليتان ، عاد إلى السرير، وضع رأسه مائلا على الجدار وهو يستعيد ذكرياتِ العمر، طار النوم من عينيه، حيويةٌ دبّتْ في سائر جسده، استغنى عن النوم بقية تلك الليلة، يبدو أن ساعات أول الليل والأحلام أغنته عن الغياب عن العالم حتى يصبح الصباح، أعاد البصرَ العسلي نحو الورقة القديمة من جديد، نظر إلى طوله وإلى ساقيه اللتين تقتربان من حافة السرير، ظل يركض وهو مسترخٍ على السرير وكأنه يتذكر الهرولة بين الأزقة ومسابقة الأصحاب، ابتسم بمفرده وسط سكون رهيب، ضحك من علامة فارقة في جبهته كُتبتْ عنه ، تَرحّمَ على طفلةٍ رمته دون قصد فأحدثتْ في وجهه شجًّا، أضافتْ على وجه الطفولة رمزا أبديا، نظر إلى ساعته والليل هارب نحو النهار، طوى صفحة الذكريات، أراد أن يتخلص من الألم فلم يستطع، كانت الذاكرة قد ابتلعتْ المرارة عند السهر، أغمض عينيه وهو يتخيل العلامة الفارقة وحركة عينيه العسليتين وأيام العمر التي تشبه الأحلام.