في المقهى طاولات خشبية قديمة على سطحها آثار الشاي وبقايا الفطائر البيضاء، وعلى قوائمها عدد قليل من النمل في حركة صعود ونزول على الرائحة المعتادة، سيدةٌ في الثلاثين انزوتْ بعيدا على أحد الكراسي الخشبية وقد وضعتْ على الطاولة التي أمامها كتابا ، تدنو برأسها أحيانا من الأرض لتهرش ساقيها وقدميها، يبدو أن النمل يترك سيقان الطاولة ليمشي على السيقان الناعمة ، بدا ذلك من خلال نرفزتها التي تصل إلى الحد الذي يجعلها ترمي بالكتاب على الطاولة وسط نظرات الذين تناثروا في زوايا المقهى، أحد الحاضرين جاء بملابس مغبرة ومعه حقيبة ملابس أنيقة وقديمة وقد وضعها أسفل رجليه، شعْر رأسه يتدلى بأناقة على الرغم من عدم اهتمامه به، تبدو عليه الملامح القروية والبساطة، عندما يراها تفعل ذلك يفتعل الضحك ويخفي أسنانه خلف يده، لم يُلفتْ نظرها في البداية فهو ليس الوحيد الذي يحتسي مشروبا في القهوة العتيقة، تكرر ضحكه في غفلة منها، لم يضع يده على فمه هذه المرة مع الضحك عندما التفتتْ إليه ، بدتْ أسنانه جميلة وساحرة، رأته فاشتاطتْ غضبا، ألقتِ الكتاب على الطاولة بعنف حتى كاد أن ينفصل نصفاه، أقبلتْ نحوه فازداد ضحكا، قال لها : ظننتُ أنني الوحيد الذي يمشي النمل على رجليه، ازدادتْ وتيرة انفعالها، جلس بهدوء وكأنه لم يفعل شيئا، سألها عن اسم الكتاب الذي تقرأه، ردتْ عليه بكبرياء وهل لمثلك وأشارت إلى هيئته أن يفعل مثلي؟ تركها واتجه بحقيبته إلى مكان منعزل، تجرد من ملابس السفر، ارتدى ملابسه المعطرة، ظهر بكامل زينته، وضع على الكرسي لحافا ثم أخرج كتابا أنيقا عليه صورته، عندما رأتِ الكتاب والصورة تغير المشهد تماما، أحضرتِ الكتاب من على الطاولة ثم عادتْ إليه لتسأله، أدخل الرواية في الحقيبة ثم وضع ملابسه القديمة فوق كتفه، تركها وترك المكان، نادتْ عليه من جديد، لم يلق لها بالا، أُغلق المقهى على الطاولات وبقايا النمل، وقفتْ خارج المقهى وجعلتْ تتفرس صورة الغلاف لتتأكد من هويته.
الكاتب / محمد الرياني