(وردتي..... ومطر )
كانت ليلة ماطرة قمرها غاب بين الغيوم ، ووميض البرق كفوانيس تزين السماء ، ونسمات البرد القارص تعزف لحنها الحزين تَوقف قلمي حينها عن الكتابة بسبب ازدياد تساقط قطرات المطر على نافذتي محدثا ذلك الصوت الجميل ، فاقتربت منها فامتزج بخار أنفاسي ببرودة زجاجها ، نظرت من خلالها فرأيت البعض يسيرون وهم ممسكون بمظلة تحميهم من المطر ، والبعض الآخر يجري ويحتمي بسترته بوضعها على رأسه ، وهناك من ابتلت ثيابه بقطراتها ، دفعني جمال المنظر لفتح تلك النافذة لأستنشق بعضا من الهواء العليل ، فإذا بي أبصر تلك الوردة بين الأغصان تعصف بها الرياح فتنحني وتتمايل وتكاد أن تسقط ، فَرَقّ قلبي لها تمنيت أن أحتضنها بين ذراعي لكي لاتتمزق أوراقها الناعمة وتتناثر مع الرياح ، ولكن عندما أمعنت النظر رأيت ما أدهشني ، لمحتها كطفلة تتراقص وتداعب تلك القطرات ، ترتفع تارة وتنحي تارة أخرى تحررت من جميع قيودها وحلقت عاليا لتعانق تلك الغيوم ، قادني جمالها الساحر للإقتراب منها ، وأثناء سيري إذا بتلك القطرات تجتمع وتكون جدولا من المياة الرقيقة تنساب تحت قدمي فتُشعرني بالإنتعاش ، دنوت منها فإذا بتلك الوردة تعانق زخات المطر فاستنشقت رائحتهما التي امتزجت ببعضهما عبيرا يداعب ذكريات حُفرت داخل أعماقي ، وصورا حفظتها في عيناي ، وحنينا ظننته رحل بحلوه ومره ولكنه ظل حبيسا بداخلي ، ظلت تتمايل وتنثر شذاها هنا وهناك ، همست لها : ماسر تلك السعادة بالرغم من الخطر الذي يحيط بك ...؟ فتَبَسّم ثغرها وقالت : أي خطر تتحدثي عنه ...؟؟ بادرتها بقول : تلك الأمطار المنهمرة والرياح التي تعصف بك يمينا وشمالا وتكاد أن تمزق أوراقك وتكسر ساقك الهزيل ، إقتربي مني سأُظلك تحت مظلتي إلى أن ينتهى المطر ، فلم تصغِ لكلماتي وابتعدت عني ، صرخت بأعلى صوتي هل تفضلين الموت على الحياة ...؟ فازدادت تبسما وتمايلا وقالت : هي حياتي سأعيشها مرة واحدة ، لم أخلق لكي أختبىء ، سأواجه الصعاب وسأقف شامخة أمام قسوة الحياة ، وأنثر عبير الشوق والفرح والحب والسلام ليعطر الأرجاء ، فأنا الصامتة النابضة بكل أنواع الحياة ولغة القلوب عندما يغيب الكلام ، وتجف الأقلام ، ويتلعثم اللسان ، بربك كيف لي أن أختبئ ..!! لم أصغ لكلامها وحاولت أن أمسكها بيدي ، ولكنها أشهرت أشواكها بوجهي وأصرت على عدم الذهاب ، سألتها من أين استمدت تلك القوة وأنت بهذا الضعف ..؟ فأجابت : وهل القوة للجسد فقط ! القوة أن أتحدى العثرات وأتخطاها ، أن أقف بثبات أمام الرياح والأمطار ولا أسقط ، أن أواجه خوفي وأتغلب عليه ، وأن أثق أن الحياة لا تتوقف عند موتي بل تستمر ، فكيف لي أن أختبىء وأنا سوف أعيش حياتي مرة واحدة ، بعد سماعي لتلك الكلمات لم أستطع أن أتفوه بكلمة واحدة ، فعدت أدراجي من حيث أتيت ، وجسلت أمام الموقد ، وهمست لنفسي : ليتني قوية مثل وردتي
وقفة / حياتك ملك لك وحدك فأزهر أينما كنت ، وأكمل حيثما وصلت ، واصمد مهما تعبت ....
الكاتبة / سميرةعبدالهادي ...