كلماتٌ تلوّحُ بالوداع
الكاتبة/ رغد المرشدي
من محاولات حفظ سورة الفاتحة، من نشوَة خطّ الكلمة الأولى، والتذمر من كثرة نسخ جملة لاتقانها، من لحظة بلوغ عرش السعادة نتوجًا عن حل معادلة الرياضيات، من حين الانغمار بالمسؤولية تجاه النباتات الموضوعة على طرف النافذة لمادة العلوم، والتعرقل في وحل جرّ الأفعال، من همٍ يتجلى في ما لعبة الغد، وأحلامٍ نُهبت من مشهدٍ في التلفاز أو أحاديث الكبار وأقامت خيامها تحت وسادة الآمال، من ضحكاتٍ تعالت خالية الوفاض لا تحمل على متنها سوى نبرة البراءة، تعبر أروقة الحياة الطويلة في ومضة وتجهل محطّ صداها، من التنقل من محطةٍ لأخرى كل محطة تحتضن ألفًا من الحكايا..
معاركٌ طويلة خضتها، هذه تغتال الحياة فيني وهذه تبثّها في عروقي، هذه تغرقني في لُجة بحر القنوط وهذه تتشكل على هيئة طوق نجاة ومن انقضاض أمواج اليأس تنتشلني، أوقاتٌ اتخذت الوَحشة من داخلي مأوًى لها، وأخرى تخلّل فيها الانتماء كلَ رقعة..
كلُ بداية مآلها الانتهاء حتمًا حتى وإن طال أمدها، وبعد قطع أميالٍ طويلة.. نهاية الطريق لاحَت في الأفق، الأضواء باشرت الخفوت، ودقات ساعة الوداع صوتها يعلو فوق كل صوت، خُطّت أحرف الفصل الأخير بحبرٍ حزين، وأحرفٍ تجّر الخطى تَهاب الوداع، وبلغنا الرمق الأخير لهذه الحكاية والذاكرةُ باسطة الأيدي ترحّب بفوجٍ من الذكريات تخزنه في رفوفها..
آنَ أن تتحرر أحلام الطفلة الصغيرة المخبأة تحت الوسادة، وأن يَفوح بالأرجاء عَبير الرجاءات الأسيرة لقنينات الأماني، وبعد أن صعدتُ المنبر لإلقاء الإذاعة يومًا قبل سنين.. ها أنا أعتليه الآن للتفوه بالكلمة الأخيرة..
الحمدلله أولًا وأخيرًا، الحمدلله على ما نلناه وما لم ننله، أستشعر فيضًا هائلًا من الامتنان يقطن جوانحي أني كنتُ جزءًا من هذه الحكاية في هذا المكان بالتحديد الماكث في زواياه هذا القدر من الأشخاص الرائعين،و على قدر الجبال الباسقة هذه من الامتنان في صدري إلا أنه يزاحمها هِضاب من الأسى، وطيفٌ في نفسي يأبى ويتصدى لمفردة الرحيل..
-المرحلة الثانوية- ليست مجرد مسمى، بل وسمٌ منقوش على جدار الفؤاد ومتيقنه أن رياح الأيام لن تتمكن من اقتلاعه..
أرجو أن تُمطر آمالنا في البقعة الصحيحة بإذن الله وتغيث دواخلنا قبل أيامنا وتلامس أناملنا خضارها الباهي..
ألفظُ الوداع الآن بنبرةٍ تزحف ولكن هكذا شاءت الأقدار
فالحمدُ للوّهاب الذي بلّغنا تكللّ هذه المسيرة بنجاح.