(خطوات واثقة)
الكاتبة: سالي مهدي الرمضان
يسير بمفرده في الشارع، شيخٌ ضئيل البنية، ضعيف البصر، يتلمّس الأرض بعكازه، يسير الهوينا على الطريق خشية أن يعثر بحجرٍ صغيرٍ يسبّب له الوقوع والأذى، صادف أن شاباً يافعاً كان يسير في ذات الطريق، حانت منه التفاتةٌ للشيخ الذي يسير ببطءٍ وحذرٍ شديدَين، استثار ذلك المشهدُ شهامةَ الشاب، اقترب من الشيخ وأمسك بيده، قال له: اسمح لي يا عم، تشبّث الشيخ بكل ما فيه من قوةٍ بيَدِ الشاب، وأخذ يسير برفقته بكل ثقةٍ واندفاع، شعر الشاب بالسعادة الغامرة.
وبينما هما يسيران، قال الشيخ:
- أوصلني إلى نهاية الشارع.
- بأمرك يا عم، وهل بيتك في نهاية هذا الشارع؟
- هذا ليس من شأنك (أجاب الشيخ بعصبية)، وتابع:
- خذ بيدي إلى نهاية الشارع، ولا تزعجني بصوتك القبيح!
تفاجأ الشاب من إجابة الشيخ المتعجرفة، لكنه لم يجد بُدّاً من إكمال الطريق معه.
- اللعنة على ضعفي الذي جعلني أحتاج لأمثالك، (تمتم الشيخ).
- وهل هذا جزاء من يساعدك؟ (باستعطافٍ يقولها الشاب)
استشاط الشيخ غضباً وتعالى صراخه،
- أَتمُنَّ عليّ أيها الدنيء؟!
تجمهر الناس واكتظ الشارع بهم، لقد دفعهم الفضول ليشاهدوا ما يجري.
تابع الشيخ إساءاته بتكبّر واستعلاء،
- أنا لست بحاجةٍ لمساعدتك، الجميع يتمنون خدمتي، ثم أردف وفي نبرته الغضب..
- أنا أعرفك جيداً، مصالحك وأطماعك هي التي تقودك للتصرف بهذه الطريقة الماكرة.
لم يصدق الشاب ما يسمع، ولم يتوقع أن يصادف في حياته إنساناً بهذا المنطق، وهذا الأسلوب.
- ما دمتَ لا تحتاج لمساعدتي؛ فاسمح لي بأن أستأذن للذهاب إلى عملي، (قالها الشاب وهو يترك يد الشيخ مبتعداً في حين كاد الأخير يتعثر ساقطاً على الأرض)
أدار الشاب ظهره، وسار نحو الأمام بخطواتٍ واثقةٍ مبتعداً وسط ذهول المتجمهرين، تماهت صورته الجميلة شيئاً فشيئا حتى اختفى عن الأنظار، شعر الشيخ حينها بالحرج الشديد، ولم يعرف كيف يبرر للحاضرين ردة فعل الشاب الذي تركه ومضى لسبيله، انفضّ الناس من حوله، واحداً تلو الآخر، وابتعدوا عنه. لم يرغب أحدٌ منهم في الوقوف قريباً منه، أو الاستماع إليه؛ فضلاً عن مساعدته في إكمال الطريق، عاد حينها وحيداً يتخبّط في مشيته، صدره ممتلئٌ غيظاً، ولسانه يقذف مزيداً من الشرر.