كنوز من حروف
الكاتبة : سولافة سمباوه
لنبحر بخيالنا قليلًا: هل بالإمكان أن يكون لنا فانوس يقرأ لنا كل كتاب نريده؟
الفكرة ضرب من الخيال، قد تتحقق قريبًا أمام معجزة التقنية الرهيبة.. في السنوات القادمة، قد نكتب عنوان كتاب، فيندلع لنا الصوت لذيذًا رطبًا بصوت بشري، يسرد لنا الصفحات، وكأنه الرفيق المثقّف الذي لا يستغني عن صاحبه. المستحيلات بدأت بالتحقق، فالإنسان الآن يطير أو يستطيع الطيران، فهل بالإمكان صناعة فانوس القراءة السحري، ليقرأ لنا كل شيء؟
لماذا الحديث عن القراءة؟ ببساطة لأن حياة واحدة لا تكفي، والكتاب يمدنا بالعديد من الأعمار والحيوات.. لنضع مفتاحًا في قفل صندوق القراءة، ونسأل: متى سنقرأ؟ ولماذا نقرأ؟ وكيف نقرأ؟ هل تعلم أن صندوق القراءة كنز عظيم غفل عنه القراصنة؟ فلماذا لا تكون قرصانًا بلون مختلف، هدفك جمع كنوز الكتب، ومعرفة أسرار العالم من خلال الاحتفاظ بهذا الصندوق المهمل؟
قد لا تصدق أهمية القراءة وأنها كنز من الكنوز التليدة، لكنني أؤكد لك أنها كذلك، وإليك بعض البرهان، وبعضه الآخر ستكتشفه أنت بنفسك، فلا غاية لنا في إثباته لمن أحب الكسل.
المرء حيث وضع نفسه، فلماذا لا تنتخب لنفسك مصاف النجوم؟ القراءة تمنحك ذلك العلوّ القراءة كنز، فانوس سحري يحقق لك ما تريد وأكثر. لو قلت لك سرًّا، هو أن لكل شخصٍ كتابًا معينًا يجب عليه العثور عليه لقراءته، ليغدو الشخص الأمثل من نسخته الشخصية لو قلت لك هناك كلمات مدفونة في وسط كتاب، هي جواهر معنوية، هذا الكتاب مخبأ جيدًا بين رفوف المكتبة، دون أن تعرف اسم الكتاب أو اسم المؤلف أو اسم المكتبة التي ضاع فيها كنزك.. هل كنت ستفتش عنه؟
قصة هذا السر خيالية ولكن قد تكون صحيحة، بمعنى أن هناك بالفعل سطورًا ذهبية لم تعرفها بعد، وإذا عرفتها فستقلب حياتك بشكل مدهش، فلماذا لا تخوض تجربة البحث؟ ستتوقف لحظة وتقول: أنا لست مجنونًا لأصرف وقتي لقصة من وحي الخيال. وأنا أقول لك: هناك شخصية لك لم تبلغها بعد، فكيف ستصل إليها ومصباح علاء الدين مجرد أسطورة خرافية من نسج الخيال؟
الأوفق أن تفتش في عقول السابقين واللاحقين، فهي الضمانة المحتملة التي قد تصل بها إلى شخصيتك الأسطورية، والسر الذي سينقلها من واديك الفقير إلى الوادي المدهش الذي يشكل لك القفزة التي ينبغي لك أن تحققها. فإذا علمت أن السابقين رحلوا فسيكون الكتاب هو خزانة هامة تركوها لك قبل رحيلهم، أمانة الراحلين جعلتهم يدوّنون لك السر في كتاب، فلماذا لا تجرب التفتيش؟
حتى لو أنك صرفت الكثير من الوقت في القراءة دون أن تعثر على كنزك المدفون في طيات كتاب؛ لم تخسر، فلقد قضيت وقتًا ماتعًا ومفيدًا أما إذا بلغت السر، فلقد بلغت كنزك المدفون في أحد الكتب التي قد لفها الغبار، صدقني إن التوحد مع الكتب له مكاسب، فالكتاب لن يؤذيك كسائر البشر، هو خير جليس، فلماذا لا تخوض التجربة؟
هناك كنز مدفون بين الصفحات، هذا الكنز قد يكون صفحة فريدة، أو بضعة سطور، أو قد تكون المعلومات جواهر متناثرة في عدة كتب، عليك أن تجمعها ليكتمل العقد الفريد.
ناولت عدة كتب، لعدة مؤلفين راحلين، لم يبقَ لهم وجود، كانوا بشرًا مثلنا ولكنهم رحلوا عنا، وسكنوا القبور، وبقيت أرواحهم حبيسة في كتبهم، أتخيلهم يتحدثون ويقدمون لي ألذ الحديث، إنه جهد غزير مبذول حتى اكتمل المتن، من الغلاف إلى الغلاف، أتأمل الإهداء والتقديم، أنتقل عبر الفهرس إلى ما يعنيني، وأبحر في علوم لم أكن أعرفها.
تمنيت أن تكون لي خلوة طويلة في مكتبة رائعة، إجازة من كل شيء، وأتوحد للقراءة!
لقد سقطت المكتبة على رأس الجاحظ وأزهقت روحه، ليس المهم كيف مات!. المهم كيف عاش. تذوقت بعض سطور الجاحظ فأدركت أنه علامة وإمام في الأدب وبحر زخّار.. رغم تباعد السنين الفاصلة، تذوقت أبيات الشعراء القدامى، وتذوقت العديد من المنوعات الكتابية، فلكل بحر مذاق، ولكل كاتب قصة وحكاية، تمنيت أن أعرف حكاية كل كاتب، للأسف.. هي أمنية مستحيلة، أو قد تكون مستحيلة، فلا الوقت يسع ولا كل الحكايات دوّنت، ومع ذلك هناك الكثير، فلماذا نضيع الوقت دون أن ندرك ذلك الجمال؟