مقال: عام 2024 - أهلًا بعام الشتات

الكاتبة :صالحة مجرشي

طبيعة الحياة أن تسير الأيام دون توقف، وفطرة الأشياء أن تكبر أو تتغير، فتتغير الشخصيات وتكثر الأمنيات، وتكبر معها الأهداف..

الأهداف التي لطالما سعينا لتحقيقها، هدف تلو الآخر مما أشعل في داخلنا لذة الإنجاز، والشعور بالأهمية؛ أهمية الذات، أهمية الحياة، أهمية العلم، أهمية المال … أهمية كل شيء جعلنا لهُ أهمية حتى كبر ليكون في أعلى قائمة الأهداف السنوية، وقد يتحقق ولا يتحقق.

وفي ظل صراع تحقيق الأهداف وإيجاد الذات، اخترت أن أنقل لكم تجربة التخلي عن تدوين الأهداف السنوية لعامين متتاليين؛ كان ذلك من الصعب علي كشخصية عاشقة للمغامرات والإنجازات.

2022 l

بداية عام 2022 ثبتُ أقدامي بقوة كي أقف!!
كي أرتب أفكاري وأجد ذاتي، فأنا أكبر ولا يسعني أن أكبر بشتات، بل أريد أن أكبر بثبات.
أكبر عمرًا، أكبر اسمًا، أكبر طموحًا وحلمًا؛ فشددتُ أسري واستجمعتُ قوتي لأعيش الشتات … أهلًا بعام الشتات؛ فكانت طريقتي المتبعة لأجد ذاتي هي:

1- لا للقيود:
إن قراري الأول هو أن لا أرسم قيودًا، وأن لا أدون النقاط والأهداف وأرسم الخطط، وأن لا أضع الأُطر السنوية، وأن أستنشق الحياة، واستمد أنفاسي منها بعيش اللحظة المقدر لي عيشها دون تخطيط مسبق، وأن تمارس ذاتي فطرتها لأرى إلى أين تدلني أقدامها.

2- التجارب:
في هذه المرحلة سمحت لنفسي عيش التجارب العشوائية، الخطط العشوائية، المقابلات الشخصية، التنقلات الحياتية، التنفيذ السريع والتحقيق اللحظي، حتى أعي ما إذ أهدافي الملحة نابعة من الداخل أم أنها غلاف مجتمعي؟

3- التخبط:
سمحت لنفسي خوض التجارب وتحمل العواقب ونتائج التجارب السلبية قبل الإيجابية، ومحاولة فهمها جيداً ومدى تناسبها وقربها لذاتي ونمط حياتي وعمقي الداخلي قبل الخارجي.

4- القياس:
مع مرور الأيام والظروف واختلاف المواقف، أصبحت الأمور تُقاس بطريقة تلقائية، وذلك نتائج التجارب السابقة بعشوائية أو بالأصح (حرية) من قيود وواجب تدوين الأهداف، النفسي والمهني والمجتمعي.

5- القوانين:
أخذت مجريات التجارب العشوائية في التأقلم والتشكل مع ما يناسبني بناءً على قوانين حياتي السابقة، والرضى التام المتوافق لذاتي وبيئتي ومحيطي الأسري والمجتمعي.

6- الفهم:
عقب السير على طريق التجارب المليء بالعقبات، والذي استمر لمدة عام دون تخطيط، بدأت أرى هدفي يبادرني السلام، الهدف الأول والأهم والذي من أجله اتخذت قرار العيش دون هدف، وهو أن أجد ذاتي وقناعتي وتستقر نفسي، أدركت خلال عام عشت فيه بعشوائية أدق الأمور العالقة بداخلي، سمعتُ صوتي الذي صرخ توقفي! وصوتي الذي بادر لتحفيزي وصوتي الذي أنب أخطائي، وصوتي الذي ناقش أفكاري، فبين لي وهداني وأرشدني.

2023 |

مع بداية عام 2023 أدركت أني ما زلت في مرحلة البدايات والتعرف على الذات بعد اللقاء، فكتبت مقال (تدوين أهداف 2023 - نفسك أولًا ثم مساعيك في هذه الحياة تاليًا)، ثم أدركت أن الحياة وجوانبها أعمق من أن أبدأ الآن، وأعمق مما نتصورها ونعيشها، بل إن حياة الإنسان وما تتضمنه من جوانب وتفاصيل قد تبدو أعمق من عمق البحار، وأن ما نراه وما نتسابق إليه أو عليه ما هي إلا أمور نفرح بلمسها وهي على سطح المحيط، ولا يتسنى لنا لمس العمق منها دون توقف وإدراك ما هو قد يبدو أعمق؛ وإدراك الاستمرار في السعي والذي ساعدني ذلك عليه:

1- 3D:
في هذه المرحلة المتقدمة أصبحت أرى جوانب حياتي بنظرة شمولية واسعة، والتصرف وفق ما أدركته، ومراعاة كل زاوية والتعامل وفق الطرق الأنسب لاحتياجاتي الذاتية.

2- إخماد الثورة:
بعدما أحطتُ بزوايا ذاتي، توصلت للطرق الأنسب لإخماد الثورة التي قد تحدث فجأة بداخلي أو كيفية تثقيف نفسي عندما تكون خبرتي أقل في التعامل مع ثوراتي الداخلية، دون أن يحدث تأثير الخارجي، وذلك لفهمي ذاتي وفهمي لتصرفاتي الطبيعية التي رأيتني بها سابقًا دون تأثيرات خارجية.

3- الصحة:
إن الصحة الجسدية مفتاحها الصحة النفسية، والصحة الذاتية رأس هرمها الصحة النفسية، فعندما فهمت صحتي النفسية جيدًا أدركت سياسة التعامل مع ذاتي، مما سهل ذلك التعامل مع مجريات الحياة والظروف والمحيط.

4- الشخصيات:
الشخصيات علم واسع، ولكن فهم ولو جزء من هذا العلم ساعدني جداً في إيجاد مكاني المناسب في الحياة الأشخاص في المحيط، ومكاني المهني … نعم مكاني في الحياة المهنية. أن أفهم الشخصيات من أساس التواصل والتواصل هو أساس اتصالنا بالمحيط، المحيط المجتمعي والمهني؛ وبالتأكيد الشخصي.

5- الأهداف:
خلاصة تجارب عامين مليئة بالعقبات والتحديات نتيجة العشوائية، علمني الكثير من الدروس والعبر التي شاركتكم مفادها في بضعة سطور، وأن أهم هدف نص عليه مقالي هو وجود الذات بين زحمة الحياة أهم من وجود أهداف مجتمعية خالية، وأن بعد الصبر وجدتُ ذاتي تسير بي برغبة وقناعة تامة نحو أهدافي المرغوبة حقًا دون فتح أبواب الأصوات الخارجية التي قد تؤثر وتعكر مسارك الصحيح.

وأخيرًا؛
خلال عام 2024 يستمر السعي والحماس في تحقيق الأهداف وعيش الحياة ما دام في العمر بقية بالمحافظة على الاتزان والتحلي بالهدوء والصبر، وعدم اليأس وإيجاد الحلول باستمرار.

ختامًا؛ أشارككم أهم منجزات 2023، إطلاق فريق (أُنس التطوعي) لخدمة كبار السن، وإطلاق (مشروع طليق الثقافي) لتخليد اللغة العربية.