الخميس, 28 ديسمبر 2023 08:47 مساءً 0 190 0
صخبُ القلب "صحراء الحنين"
صخبُ القلب

 

صخبُ القلب

"صحراء الحنين"

 

الكاتبة: ليالي محمد
 

وسط رمال الصحراء الناعم، والشجر الذي تيبست أغصانه إثر الرياح التي هبَّت عليها في يومٍ صحوٍ جافٍ لا يدنوا بقطرة ماءٍ يروي هذه الأرض التي أصبحت قاحلة بعد كل هذه السنوات التي مضت والتي اعتدنا فيها على أن تضربنا الشمس بأشعتها الحارقة صيفًا ويميتنا البرد شتاءًا وييبس أغصان قلوبنا التي وجلت من الشوق والآهات وكما قالها بدر بن عبد المحسن في أمسية غطاها الحنين وطغى فيها وجع الفراق على وجهه حتى ظننت من شدة وقع الكلمات أنه يقصدني فيها "سافري كان يرضيك السفر، جربي لو ورى ليلي صباح، بدِّلي الرمل بأمواج البحر، واتبعي الغيم تحملك الرياح، سافري لين تبكين المطر، واضحكي لين ما يضيق البراح، ولا تعبتِ وحسيتِ بضجر، خلِّ الشوق لديارك جناح، ارجعي في ابتساماتك عذر مثل ما الدمع في عيني سماح، أنتِ العين من طول النظر، وأنتِ القلب من كثر الجراح" 
وطفقت انظر في الحنايا وما كانت الصحراء الا كحنايا قلبي خالية من كل شيء سوى منك!
وفي احدى الليالي التي اكتمل فيها القمر وجهًا ونورًا حتى أصبح بدرًا يضيء بنوره كل الأرض، الأرض نفسها التي تحملنا بطياتها ومع ذلك تأبى أن تلاقينا، نحن العشاق الذين لم تنصفهم دنياهم وشابهت قصصهم قصة ليلى وقيس المجنون بها "مجنون ليلى"، والبدر وسط السماء كنت أراقبه وتذكرت قوله" لو كان القصيد يكشف الغم عن بدر التمام لكتب الشمس شعرٍ في سناك وامحي إمن السم عج وكتام يا عسى البدر نوره ما يغيب عن حبيبٍ بقي منه الكلام"
دخلت لخيمتنا التي نقتضي فيها حاجات نومنا وسكينتنا بعيدًا عن الناس، أخذت الكحل الأسود وبدأت بوضعه لتزيين عيني، نظرت في المرآة الصغيرة والتي كانت بقدر كفي ولأرى أن "الدق البدوي" الذي وشمته على ذقني والذي له ثلاث سنوات يُجمِّل وجهي ويعطيني لمحات من قبيلتي البدوية العريقه، طبطبت على شعري الأسود الحالك والمُجعد تجاعيدًا خفيفة، وأحكمت معصب رأسي وخرجت باتجاه الخيام…
وفي هذه الليلة تحديدًا كانت الخيام مجهزة وبكامل زينتها، والابل مزينة بسراجها والخيول الأصيلة التي يداعب شعرها هواء الصحراء الذي كاد أن يجمدنا وقد فعل، أشعلت النار قرب الخيام واقتربت منها علها تدفئ قلبي العليل وتهديه شيئًا من سكينتها!!
اقترب وقت مجيء الضيوف حتى قاربوا على الوصول بخيولهم وابلهم المحمَّلة بزادهم فكما تقتضيه العادات سيشرفونا لثلاثة أيام!
دخلنا إلى الخيام وبدأنا بتحضير العشاء الذي كان من لحم الابل التي ذُبحت على شرف مجيئهم!
ووسط أنسام البرد وأحاديثهم التي لا تنتهي انزلقت دمعة على خدي وأنا أرى الكل موجود ما عداه ينقصه المكان!
خرجت خارج الخيام والتي تكتظ بالزحام، ورحت أمسح على خيلي الأسود والذي كان من أجود الأنواع واطبطب على شعره المجعد والذي يشبه شعري وكأنه يميل لي مع السنوات، بدأت رياح الصحراء تحرك شعري يمينًا وشمال، ودون أن ألفت انتباه أحد امتطيت حصاني ورحت أركض به، أنا نفسي لا أدري أي اتجاه أسير فيه، ما كنت أعلمه أنني اريد الابتعاد بقدر المستطاع، قدر ما استطيع بعيدًا عن كل ما لا يشبهني!!
وبعدها فقط وبمسافات قريبه من الخيام، لمحت شخصًا يأتي من بعيد يمتطي حصانًا وفي يده سلاحًا وكأنه قادم من الحرب…
وفي لحظة صمَت فيها الكون ولمعت نجوم السماء وأصبح العالم أخرس لدقائق بل امتدت هذه الدقائق لساعات، حتى شعرت بأني داخل حلم لا أتمنى لهذا الحلم بأن ينتهي ولو كان على حساب نفسي وعلى حساب هذا الزمن الظالم!!
هبطت من حصاني ورحت أركض باتجاهه، نزل هو الآخر والتقت أعيننا بأعين بعضنا البعض، اقتربنا ولمست بيدي وجهه الذي غطاه الأسى وكساه الألم، رحت امرر أصابع يدي على وجهه، كم مرَّت من السنين؟ كم تخطينا من مصاعب وشقاء وعواقب لهذا الحب الذي لم ينصفنا!!
والآن هل عدت في الحقيقة؟ أم أن هذا كله من نسج خيالي الواسع؟؟
هل وجهك الذي التمسه بيدي حقيقي؟؟ هل ما أراه هو أنت؟ أم أنني بتُّ أرى كل الناس مثلك؟ من انتظرته لسنين ومن بعت عمري لأجله ولكن باعتنا الظروف!
هل كنا سنلتقي بهذه الطريقة المبهمة والغير مألوفه لكلينا؟؟
"قادر الله نلتقي وسط الطريق، خطوة مني خطوة منك شارع الفرقى يضيق"
وبعد أن كسى وجهي الدمع وارتجف فمي من الكلام، وابتلعت أحرفي بعدم تصديقٍ للموقف!!
أمسك بيدي وانزلها من على وجهه وهو يقبلها، والدمع يهبط على خديه من شوقه: نعم هذا أنا! من كان يصدق أننا سنلتقي بعد هذا العمر من الفراق؟ من كان سيصدق هذا!
"وين أنا منك غربني الزمان
وخانني النور وابعدني الظلام
لو بعزيك سالت دمعتي
تدري الدمع في حبك حرام
لو بواسيك ما يكفي الهوى
ولو ابي عذر ما يكفي الغرام"
سرَحت للحظات وكأن العالم حولي أصبح سراب وتشكَّلت فراشات حب في المكان وأصبح هواء الصحراء يلملم أشتاتنا وأُغلقت فجوة الفقد في قلبي وكأنه تجدد في فرحة اللقاء، وكأننا عدنا من عمر الثلاثين إلى عمر الصِبا فاختفى الهم والحزن من مُحيانا وعادت الفرحة تبعثر ألحانها على وجهينا وتكسوه بشيءٍ من الحب، الحب الذي لا يموت!!
ابتعدنا عن بعضنا وأمسك يدي وفي لحظتها نظر لعيني قائلًا: إما الآن تشدِّين على يدي في عزمٍ لأن نكون أنا وأنتِ أو لا نكون!!!
نظرت إلى الخيام وابتسمت وعُدت أنظر إليه وأنا أهزُّ رأسي في موافقة….
"لليل أحبك ما بقى في السما نور
وإليَ ضواني الليل للصبح أحبك"

 

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر الخبر

سلمى البكري
محرر وناشر
مدير تحرير القسم الأدبي بالصحيفة

شارك وارسل تعليق

بلوك المقالات

الصور

.

.

أخر ردود الزوار

الكاريكاتير

استمع الافضل

آراء الكتاب

admin الدعم الفني
صحفي في قسم مناسبات, رئيس فريق الدعم الفني شبكة نادي الصحافة السعودي
شبكة نادي الصحافة السعودية موجودة في "مبادرة تمكين جودة الحياة
2023-09-07   

آراء الكتاب 2

admin الدعم الفني
صحفي في قسم مناسبات, رئيس فريق الدعم الفني شبكة نادي الصحافة السعودي
شبكة نادي الصحافة السعودية موجودة في "مبادرة تمكين جودة الحياة
2023-09-07   
جمعه الخياط جمعه الخياط
صحفي في قسم مقالات, رئيس مجلس ادارة صحيفة صوت مكة الالكترونية
عكس اتجاه البوصلة .
2024-04-17   
فايزه عسيري فايزه عسيري
صحفي في قسم اخبار محلية, كاتبة وناشرة ببوابة صوت مكة التثقيفية
أمانة مكة تنظم ورشة حماية النزاهة وتعزيز الشفافية
2022-08-24   
بدر فقيه بدر فقيه
صحفي في قسم اخبار محلية, || محرر وناشر في شبكة نادي الصحافة السعودي. بكالوريوس نظم المعلومات من كلية الحاسب الألي بجامعة الملك خالد بأبها
عندما يتعرض مصاب بالسكري لنوبة انخفاض السكري وهو واعي
2018-11-20   
عيشه حكمي عيشه حكمي
صحفي في قسم اخبار محلية, محررة وناشرة بالصحيفة
رحلة اكتشافه للبيوت التراثيه لقريه عتود
2019-01-04   
حنين مسلماني حنين مسلماني
صحفي في قسم ثقافة وفنون, محرر وناشر
متصل الان (أحاديث قهوة )
2019-01-18   
شمعه خبراني شمعه خبراني
صحفي في قسم اخبار محلية, محرر وناشر بصحيفة صوت مكة الاجتماعية
وزارة العدل تتيح الاستعلام الإلكتروني عن الإقرارات
2019-12-15   
حورس الدعم الفني
صحفي في قسم اخبار محلية, مسؤول الدعم الفني
صناعة المشاريع دورة تدريبية بمكة
2024-01-24   
ساميه بكر سامية بكّر
صحفي في قسم مقالات, مدير تحرير القسم النسائي بمكة
مسيرة عطاء
2020-11-20   
سلمى البكري سلمى البكري
صحفي في قسم مقالات, مدير تحرير القسم الأدبي بالصحيفة
الحياة بين إقبال وإدبار
منذ 1 يوم