قراءة الواقع من خلال
السنن الربانية
هي القوانين الحاكمة قدراً في العباد التي تجري باطراد وثبات وعموم في حياة البشر، وهي لا تتبدل ولا تتغير، كما أخبرنا الله عز وجل ﴿سُنَّتَ ٱلۡأَوَّلِينَۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحۡوِيلًا ﴾[فاطر:43] وهي عبارة عن قوانين، وقواعد أشبه ما تكون بالمعادلات الرياضية، فقد خلقها الحق سبحانه؛ لتنظم وتحكم حركة الكون والحياة والأحياء، وتحكم حركة التاريخ، وتنظم قوانين التغيير، وتتحكم بالدورات الحضارية، موضحة عوامل السقوط، وعوامل النهوض الحضاري، وهي عامة لا تحبي لأحد فالأمة التي تفهم السنن الإلهية، وعمومها وقواعدها- وهو ما يتمثل اليوم بعلوم الاجتماع - تمتلك القدرة على التعامل مع هذه السنن، وتحسن الاستعداد لنتائجها، وقد جاء في القرآن ما يبين للناس أن مشيئة الله تعالى في خلقه إنما تنفذ على سنن حكيمة، وطرائق قويمة، فمن سار على سنته في الحرب مثلا ظفر بمشيئة الله، وإن كان ملحداً. ومن تنكبها؛ خسر وإن كان صديّقاً.
وعلى هذا يفسر انهزام المسلمين في وقعة أحد حتى وصل المشركون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فشجوا رأسه، وكسروا رباعيته.
إن مجالات السنن الإلهية التي خلقها اللَّه - عز وجل – واسعة فهي سنن في الكون، والنفس، والمجتمع، ولو جعل المسلمون النص محورًا لحضارتهم، ومحورًا نقصد بها بأنهم يجعلوها معيارا للتقويم، وجعلوها منطلَقًا للخدمة، وجعلوها مرجِعًا يرجعون إليه.
وهناك شروط للتعامل المنهجي السليم مع السنن الإلهية، والقوانين الكونية في الأفراد والمجتمعات، والأمم، هو أن نفهم بل نفقه فقهًا شاملاً رشيدًا هذه السنن، وكيف تعمل ضمن الناموس الإلهي، واستنباط العبر منها على ضوء القوانين الاجتماعية، والمعادلات الحضارة، ومن أهم تلك السنن : سُنَّة التغيير كما في قوله تعالى:﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ وَإِذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ سُوٓءٗا فَلَا مَرَدَّ لَهُۥۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَالٍ ١١﴾[الرعد:11],
وسُنَّة الله في الأسباب والمسبَّبات و المتداولة،
والله تعالى ذكر -مثلا- من الأمم الصالحة الممكَّنة التي أدال الله تعالى لها داود, وسليمان, وذو القرنين: (فَأَتۡبَعَ سَبَبًا ٨٥)
[الكهف:85]
سنَّة الله في الجزاء بجِنْس العمل، و سُنَّة المدافعة والصراع من السنن الكونية أيضاً كما في قوله تعالى﴿ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ ٢٥١﴾[البقرة:251] هذه سنة الصراع والعديد من السنن التي قد لا يتسع المجال لذكرها جميعاً كسنَّة الله في الابتلاء والفتن،
وسنة الله في النَّصر والتمكين،
وسنة الله في هلاك الأمم.
إن هناك نقصًا حقيقيًا في منهجية التعامل مع تلك السنن يجب التفطن له، فالقرآن الكريم فيه قصص، وخبرات، وسنن، تشكل منجماً لاستخراج نفائس الثقافة، والعلوم الاجتماعية، فالعلوم الاجتماعية ينبغي النظر لها بصفتها علوماً شرعية يمكن توظيفها في فهم الواقع والعمل على تضمينها، ومعالجة الواقع من خلالها.
الكاتبة/ هدى درويش المعاش.