انتهت الحصة الثالثة، نفخ المعلم الشامي في صافرته العملاقة التي تشبه صافرات عساكر المرور، ضج المكان من هذا الصوت، خرج التلاميذ خروجا مبهرا من الفصول، أخرج تلاميذ القرى حقائبهم وأكياسهم التي يحفظون فيها الكتب، فاحت رائحة العيش الأحمر، أخرج كل واحد منهم قرص الخبز المنفوخ ووضعه أمامه، أكل منه بمشاركة مع بعض الحاضرين والجوعى، القريبون مثلي ذهبوا إلى بيوتهم، كان يصحبني في معظم الأوقات طفل صغير من قرية مجاورة، نصل إلى البيت في الوقت الذي وضعوا لنا على الأرض اثنين أو ثلاثة من الأقراص التي كانت خارجة للتو من التنور، جلسنا نأكل في ظل عشتنا القديمة ونأتدم بإدام بسيط ونحتسي ماء من الجرة و آذاننا تتجه صوب
الصافرة الذهبية التي يغلفها لاصق جروح طبي سميك و قديم من الصدأ والقدم، سمعنا صوت الصافرة ذهبنا مسرعين خوفا من عقاب التأخر، دخلت الفصل مع زميلي، رائحة الخبز الأحمر تملأ كل أرجاء الفصل البسيط، دخل معلم العلوم، وضع أصبعه على فمه، سأل عن الرائحة، قلنا له: عيش، شرحنا له معناها، قال : أخرجوا كتاب العلوم، أخرجنا الكتب، عادت الرائحة من جديد بشدة، أغلق أنفه، طلب غلق الحقائب والأكياس حتى تختفي الرائحة، في اليوم التالي أطعمناه ليعيش الجو القروي الجميل ، شعر بلذة خبز التنور، في اليوم التالي تعمدنا فتح كل شيء، الحقائب، الأكياس، أفواهنا الصغيرة، سأل عن خبزنا البلدي ليشاركنا وجبة الإفطار، لم يضع أصبعه على منخريه هذه المرة، بقي أستاذ العلوم هو المفضل عندنا وبقيت وجبة العيش الأحمر هي وجبته المفضلة حتى افترقنا.
الكاتب / محمد الرياني