الثلاثاء, 30 مايو 2023 08:55 صباحًا 0 395 0
"مواجيب" ثقافية

"مواجيب" ثقافية

 

الكاتب :عبدالعزيز جاسم الجاسم


اعتدنا فيما سبق أن نسمع ونرى بعض السلوكيات المجتمعية الشائعة في دعوات الزفاف والزيارات المتنوعة، من تلك السلوكيات أن يقوم صاحبُ المناسبة بتوجيه الدعوة المباشرة للمدعوّين، حيث أنّ مَن لا يتلقى الدعوةَ وجهاً لوجه من الداعي فإنه لا يحضر تلك المناسبة أو ذلك الاحتفال، ومع التطور المدني بات بعض أبناء المجتمع يحرصون على أنْ تصلَهم بطاقةُ الدعوةِ مطبوعةً بشكلٍ زاهٍ ومزخرَفٍ ليحتفظوا بها داخل صندوق ذكرياتهم، وكان مَن لا تصلُه بطاقةُ الدعوةِ؛ لا يحضر كذلك، واليوم ومع تلاشي واختفاء بطاقات الدعوات وتحولها لرسائل إلكترونية بتصاميم مرتبة؛ جامدةٌ بعضها ومُمنتَجةٌ في فيديو بعضها الآخر؛ أصبح إرسال الدعوات أسهل في الإمكان وأسرع في الزمان وأكثر انتشارا، لكن ورغم تطور الزمن وتعدد أشكال مدنية الناس في المجتمع؛ إلا أنّ هناك سلوكاً لم يتغير على مرّ السنين، بل إنه استمر متمسكاً بحضوره في كل مناسبةٍ تقريبا، ذلك السلوك هو "المقايضة"، أو ما يسمّيه بعضنا "المواجيب"، فقد كان الناس "يُوَجِّبُون" داعيهم ويحضرون مناسبته، لكنهم يأسرونه بذلك الفضل كي يعيده إليهم في مناسباتهم القادمة، وقد كان ولازال بعض أبناء المجتمع يرددون عبارة "إن لم تحضر لهم فلن يحضروا إليك"؛ تأكيداً على استمرار هذه العادة المشروطة لحضور المناسبات وتلبية الدعوات، وويلٌ لمن لا يُلبّي دعوةَ الداعي إذا دعاه، فلا أعذار سوى المرض أو الموت، أو ربما يُضاف إليها اشتغال المدعو بسفرٍ أو وظيفة تُحتّم عليه عدم الحضور، لكن ورغم كل تلك الأعذار فإن على المدعو أن يُبرّر نفسَه ويَعِد الداعي بزيارةٍ وربما هديةٍ تُقدَّم كجَاهَةٍ يلتمس بها العذر حين تقديمها بين يدي اعتذاره.
 أما في الأتراح، فالدعوة تكون عامةً غالبا، حيث أنّ المناسبات الحزينة لا تتطلب إرسال دعوةٍ لأحد وإن ارتبطتْ مؤخراً برسائل الإخبار الجماعية الدالة على حدوثها، ولن يكون من الضرورة أن يقوم صاحب المصيبة بإرسال دعوات الإخبار؛ وإنما يكون ذلك فرض كفاية، يمكن لأي مُرسِلٍ أن يقوم به وإن كان متطوعاً لنشر الأخبار الداخلية على مستوى البلدة أو المدينة، وذلك لإعلام الناس قريبهم وبعيدهم بنزول نازلةٍ بأهل ذلك البيت من فقْدٍ لوالدين أو أبناء أو أقارب، وقد لجأ أبناء المجتمع لهذه الوسيلة كون البيئة الصغيرة في القرى والمدن افتقدت لحميمية التقارب الاجتماعي وبات لزاماً أن يُعلَن عن الأخبار لإعلام مَن يهمه الأمر بالخبر العاجل.
كل ما سبق ذكره قد يرتبط بفكر مَن يسميهم بعض المثقفين بالعامة من الناس، الكلمة التي قد يُنكِرها بعض مَن يسمعها كما يشدِّد عليها من يُطلقون على أنفسهم لقب "النخبة" من المطّلعين والباحثين في علم الاجتماع وبعض المثقفين الذين يرون في كثيرٍ من سلوكيات أبناء المجتمع بِدَعاً لا أصل لها على كافة مستويات المعرفة، لكنهم وفي الوقت ذاته يؤكدون بسلوكهم أنهم لم ينسلخوا عن بيئتهم ولم يبتعدوا عن عاميّتهم من خلال ممارستهم لذات السلوكيات التي ينكرونها، بطبقيّةٍ أحياناً، لكنها ذاتها إنْ نظرنا إليها بعينٍ فاحصةٍ مُتأمِّلة، ومن ذلك أمثلة كثيرة يمكن طرقها حين يقوم أحد المثقفين مثلاً بإرسال دعوةٍ لحضور أمسيةٍ فكريةٍ ما، فهو ينظر لمن حضر ومن لم يحضر، وعليه قد يجدول حضوره التالي لمناسباتٍ قادمةٍ وفق ما حصل عليه من تغذيةٍ راجعةٍ ولّدتْها الاستجابةُ الفعليةُ لمناسبته، دعوةٌ مشروطةٌ مغلّفةٌ بإطار الثقافة ومرسومةٌ على ورقةٍ مخطّطةٍ تحوي أسماء المُلبّين لها أحيانا، بل ربما يهرعُ بعض المثقفين لإرسال رسائل التأكيد على الحضور كي يوازنوا متطلبات الضيافة ويختاروا المكان المناسب لعقد مناسبتهم وفقَ عدد الحضور وحجمهم الثقافي والاجتماعي، وقلّما وافقَتْ هذه الدعوات أوقات فراغ، فإما أن تصادِف أياماً ينشغل فيها المدعوّون بوظائفهم، أو تتقاطعُ مع أوقاتِ راحتِهم أو ساعات زيارةِ ذويهم وأرحامِهم، وقد يكون التوقيت الأقسى حينما تتكرر مثل هذه الدعوات بشكلٍ أسبوعي، وبتعارضٍ مع الزيارات العائلية التي لا تعذِرُ المدعوّ في حال عدم الوجود، كما لا ترحمُه الأولى في حال عدم تلبية الدعوة، لذلك يقفُ الواحد من المثقفين في حيرةٍ من أمر اعتذاره المتكرر عن حضور كثيرٍ من الأماسي، وتلبية العديد من الدعوات كونه مرتبطٌ اجتماعياً بأسرةٍ تحتل أولويةً كبرى لديه، فلو اعتذر عن الوجود مع عائلته هذا اليوم فلن يُقبَل عذره غدا، وهذا ما يُثير استغراب بعض المثقفين الذين يجدون أقرانهم وقد حضروا جميع الأماسي ولبّوا أغلب الدعوات وكأنهم مقطوعون من شجرةٍ أو أنهم منسلخون من أيّ مسؤوليةٍ اجتماعية أو أسرية، وكأن "المواجيب الثقافية" هي الشغل الشاغل الذي ليس لديهم غيره، فهم -حسب تعبير أحد الأصدقاء- كتلك (التايهة) التي تحمل دلة الشاي وتتنقّل من دارٍ إلى دارٍ ساعة الضحى، وربما كان اشتغالهم بحضور المناسبات الثقافية المكثفة مؤثراً بسلبيةٍ على علاقتهم بالمنزل والأسرة وربما المجتمع في قادم الأيام، والسؤال المهم هنا، هل ينشغل الفرد منا بالواجبات الاجتماعية و (مواجيب) الأسرة والأقارب فيُعتَبرُ مُقصّراً في الجانب الثقافي؟ أم يختارُ (مواجيب) الثقافة ويلبي كل الدعوات التي تصله ليحظى بقبول ورضى المثقفين؛ في حين يحصل على السخط الاجتماعي والأسري؟ أي الفريقين سيختار ليفوز؟   

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر الخبر

سلمى البكري
محرر وناشر
مدير تحرير القسم الأدبي بالصحيفة

شارك وارسل تعليق

بلوك المقالات

الصور

.

.

أخر ردود الزوار

الكاريكاتير

استمع الافضل

آراء الكتاب

admin الدعم الفني
صحفي في قسم مناسبات, رئيس فريق الدعم الفني شبكة نادي الصحافة السعودي
شبكة نادي الصحافة السعودية موجودة في "مبادرة تمكين جودة الحياة
2023-09-07   

آراء الكتاب 2

admin الدعم الفني
صحفي في قسم مناسبات, رئيس فريق الدعم الفني شبكة نادي الصحافة السعودي
شبكة نادي الصحافة السعودية موجودة في "مبادرة تمكين جودة الحياة
2023-09-07   
جمعه الخياط جمعه الخياط
صحفي في قسم اخبار محلية, رئيس مجلس ادارة صحيفة صوت مكة الالكترونية
الدفاع المدني يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية بالعاصمة المقدسة
2024-03-17   
فايزه عسيري فايزه عسيري
صحفي في قسم اخبار محلية, كاتبة وناشرة ببوابة صوت مكة التثقيفية
أمانة مكة تنظم ورشة حماية النزاهة وتعزيز الشفافية
2022-08-24   
بدر فقيه بدر فقيه
صحفي في قسم اخبار محلية, || محرر وناشر في شبكة نادي الصحافة السعودي. بكالوريوس نظم المعلومات من كلية الحاسب الألي بجامعة الملك خالد بأبها
عندما يتعرض مصاب بالسكري لنوبة انخفاض السكري وهو واعي
2018-11-20   
عيشه حكمي عيشه حكمي
صحفي في قسم اخبار محلية, محررة وناشرة بالصحيفة
رحلة اكتشافه للبيوت التراثيه لقريه عتود
2019-01-04   
حنين مسلماني حنين مسلماني
صحفي في قسم ثقافة وفنون, محرر وناشر
متصل الان (أحاديث قهوة )
2019-01-18   
شمعه خبراني شمعه خبراني
صحفي في قسم اخبار محلية, محرر وناشر بصحيفة صوت مكة الاجتماعية
وزارة العدل تتيح الاستعلام الإلكتروني عن الإقرارات
2019-12-15   
حورس الدعم الفني
صحفي في قسم اخبار محلية, مسؤول الدعم الفني
صناعة المشاريع دورة تدريبية بمكة
2024-01-24   
ساميه بكر سامية بكّر
صحفي في قسم مقالات, مدير تحرير القسم النسائي بمكة
مسيرة عطاء
2020-11-20   
سلمى البكري سلمى البكري
صحفي في قسم شعر وخاطرة, مدير تحرير القسم الأدبي بالصحيفة
حيث اللاشيء
منذ 3 يوم