الخلود
بقلم الكاتب / سمير عالم
لماذا نكتب ولماذا نغني ولماذا نرسم ، لماذا نبحث دائما عن وسيلة
لنعبر فيها عن ذاتنا ،وهل هي وسيلة لتحقيق أهداف وبلوغ
الشهرة أم أنها غاية تحقق لنا الرضا عن النفس أم هي
وسيلة نسعى من خلالها للتغلب على شيء ما في أعماقنا..!؟
ابتكر الإنسان لنفسه الوسائل ليعبر عن مشاعر بداخله ،
وأقوى تلك المشاعر التي تحتاج للتعبير هو شعور الألم والحزن
والذي يدفع بنا دفعا نحو التعبير وربما الإبداع .
دائما ما يكون الشعور بالألم صادقا ونابعا من العمق ، وبالتالي
فإن كل تجلياته ستكون بذات المستوى من الصدق والذي
منحنا عبر التاريخ كل ذاك الإبداع من الفنون .
كل المبدعين يخفون في أعماقهم شعور بالألم ناتج عن قصص
خاصة مروا بها في مراحل حياتهم والتي دفعت بهم لرغبة
في البوح والتعبير .
لم تكن رغبة متصنعة وزائفة بل هي حاجة تتوق النفس
والروح للبوح بها كي لا تختنق تماما ك " الأكسجين " للجسد
وهؤلاء هم من قدموا لنا الفنون الخالدة ، وليسوا من سعو إلى
الشهرة والمال ، لأن تلك رغبات تتخذ الإبداع والفن غلاف للرغبات
الحقيقة خلفها وهي تحقيق المكاسب ولذلك لن تدوم طويلا .
زرياب وماردوخ والاسماء اللامعة في سماء الشعر خلدتهم ذاكرة
التاريخ وتجاهلت تخليد ذكر معاصريهم من المرفهين ،
فالمعاناة في حياة الإنسان هي من تصنع الإنسان الحقيقي
القادر على العطاء والإبداع وإدراك المعاني الواقعية وراء كل شيء ،
هم من أخلصوا في العطاء فنالوا المكانة التي تليق بهم .
الكثير من هؤلاء عاشوا على الهامش وتجاهلهم الآخرون ونظروا
إليهم ك مجانين وغريبي الأطوار وتطاولوا عليهم بالنقد والهجوم
متناسين معاناتهم العميقة ومتجاهلين شقائهم الأبدي .
كثيرون أولئك الذين ملكوا مفاتيح الثراء وطمست أسمائهم
وطويت صحائفهم ولم يخلد منهم إلا قارون ليكون أكبر دليل
على النهاية البائسة لطغيان بعض الأثرياء .. وأنهم لم يتركوا ورائهم
أثر عليه يحمدوا أو به يذكروا ، في حين أن هناك على جدران
التاريخ أسماء نقشت وظلت خالدة باقية ما بقيت السموات والأرض
شكلتهم المعاناة ، و صنعهم الألم ، و صقلتهم التجارب القاسية ،
فترجموا كل ذلك بلحن آسر ، أو لوحة ناطقة بالإعجاز ،
أو قصيدة تتحدث بلسان البؤساء جيلا بعد جيل .
المقبلون على الحياة قد ينالون الثروة ولكن أصحاب
المعاناة هم من ينالون الخلود .