في أحد تلك الأيام الرتيبة والمملّة تصفحت أحد مواقع التواصل الإلكتروني لتقع عيناي على تغريده لأحدهم واضعاً نموذج لكتابة طالب لجملة ركيكة لغوياً وضعيفة نحوياً ومنهارة املائياً ، محملاً بالمقام الأول معلمه سبب ضعفه وركاكته ثم كل من له علاقة بالتعليم ومطالباً بحساب هذا المعلم وفصله من عمله فهو في نظره لم يؤدي الأمانة وانساقت التعليقات خلفه فقاموا بنصب محاكمة للمعلم والتفنن في جلده بسياطهم واتهاماتهم والتقليل من دوره في التعليم ، فهل يستحق المعلم كل هذا ؟
وهل هو فعلياً السبب الأوحد لتدني لغتنا العربية كمثال في مدارسنا وطلابنا ؟
هنا أخذت اقرا كل ما طالته يداي حول هذا الأمر خاصة ، وكل ما يتعلق بالتعليم في مدارسنا بشكل عام فتشكلت لدي مقارنة عند جمع المعلومات منذ بداية التعليم في بلادي حتى اليوم .
ومن خلال المقارنة بين مستوى الطلاَب قديماً والآن وبين القرارات التعليمية والتربوية قديماً والآن وأساليب العقاب قديماً والآن وحتى هيبة المعلم قديماً والآن ..
لتصبح لديَ قناعة أنه يجب على مسؤوليَ التعليم تكليف مجموعة منتقاه من التربويين الموضوعيين للبحث حول أسباب الضعف والانهيار اللغوي في تعليمنا ومدارسنا ، ونمسك فعلياً وبشكل صحيح الأسباب لنبدأ في العلاج ، فإذا عرف السبب سهُل العلاج وتركزت بالتالي الجهود لسد الخلل وتقوية الضعف .
ولابد أن نزيل الكسل والإتكال الذي زُرِع اليوم في طلبة العلم لتخبُط القرارات وتسرعها واللهث خلف نظريات تربوية زائفة وركيكة ومربكة ، ولنعود ونفرض التعزيز بالإيجاب والسلب سواء لمن احسن أو أساء علَّ هيبة العلم والمعلم تعود كما كانت .
وليتعلَّم الطالب أن لكل مجتهدٍ نصيب وأن العلم يُطلب لا يُجلب ، فجمال الحياة فيما نتحصّل عليه بجهدٍ ومشقة وليس فيما نصيبه هبةً دون عناء .
والأهم ارفعوا ايديكم عن جلد مُعلِّمُ الناس الخير ، واكسروا اقلامكم الجائرة في حقه ، واكرموه فإنه لا خير في مجتمع لا يٌكرِم معلميه ولا يُقدّر فيه حامل أمانة العلم وقدسية الدين وفخامة اللغة العربية ، فما تركتم ذنباً ولا عيباً ولا هماً ولا نقصاً إلا ألصقتموه به ووصم به حتى ظننت أنه قد يكون سبباً في نشوب الحروب وانتشار الأوبئة وانحباس المطر وحصول المجاعات في العالم .
فلماذا كل هذه الضغينة والعدوانية على معلم الناس والذي قال عنه رسولنا عليه الصلاة والسلام " إن الله وملائكته ليصلون على معلم الناس الخير .. "
واهل الأدب قديماً قالوا : من علمني حرفاً صرتُ له عبداً .
فكيف أصبح المعلم اليوم عبداً لتلميذه ؟
أتمنى من كل مُثقف وواعٍ ومسؤول إذا لم تقدروا على اعادة هيبة المعلم ووضع مهنته في مصاف المهن الجليلة فعلى الأقل ارحموه بتركه فيما أهمَهُ فهو بوضعه الحالي يحتضر اجتماعياً ونفسياً وحتى مادياً .. لأن الضرب في الميَت حرام .