وأحسبكِ قطعةً من جنان الدنيا ، جئتِ على مهل ،فمكِ ساكتٌ وعينكِ تنطق ، كان عليّ أن أسكتَ مثلكِ حتى يسود الصمت المكان وأسمح لعيني أن تتكلم لأول مرة ، قلتُ للقادمة بعد أن خيّم هدوءٌ جميل على المكان : لم أعهد هذا المكان يجمع اثنين أو أكثر يتحدثان بلغة العيون كما فعلنا ، على وجه التحديد ربما كنتُ أكثر الذين أزهقوا أرواح حروف اللغة على التراب بكثرة حديثي وثرثرتي بمناسبة وبدون مناسبة ، قالت بلسان يعزف لحنا : كأنكَ أخذتَ الحديث من فمي ، أنا أول مرة تحترق الحروف بداخلي فتنطق عيني ، همتْ عينيّ وعيناها حتى قلنا إن الدمع كتب مشاعرنا بحروف خضراء على التراب تحتنا ، لم أصدق أنني أمام قطعة من نور تألّقَ في ليلة فاتنة حتى اختفت مثل عروس بحر ، اختفتْ في غمضة عين ، غادرت باتجاه جهة مجهولة لا تستطيع فعل شيء وكأنها أجبرتْ على التوقف أمامي لتعلن لي سر عينيها الناطقتين وأسرار حروف قلبها، غادرتُ مثلها نحو الجهة الأخرى ، كانت السماء ترسل هتانها على جسدي المنهك من فعل الشعور الحزين ،اختلط قطْر المزن بقطْر عيني ، حيرة أصابتني من أحداثِ يومٍ بطلُه الصمت .
الكاتب / محمد الرياني